نحتاج إلى وعي جمعي متزن جديد, إلى إعادة تأهيلٍ وإصلاحٍ
واسعة لأفكار مجنونة علقت برؤوس الشباب, إلى مراجعات عميقة وواعية لآلية الخطاب
الديني الذي يلقى من على منابر رسول الله وفي قاعات المدارس والثانويات والجامعات وعلى
صفحات المواقع الإلكترونية والصحف والفضائيات والمطويات والأشرطة والسيديهات, نحتاج
وبشكل سريع وعاجل إلى إبراز وتشجيع ودعم الخطاب الواعي الوسطي المتزن ومصادرة
الثقة ونزع القناع وفضح من نصبوا أنفسهم حراساً لبوابة هذا الدين وناطقين باسمه
ومدافعين عن حماه من أجل تحقيق أهدافهم السياسية وأجنداتهم الخارجية وأمراضهم
النفسية!.
كـل تفجير لمنشأة أو لمصلحة أو لمواقع أو اغتيال لشخصية حدثت في
حضرموت حقق ذلكم التفجيرهدفه أم لم يحققه وذهب ضحيته أبرياء كما حدث في جريمة
(القطن) أو جريمة (نقطة القصر الجمهوري) وغيرها من الجرائم السابقة واللاحقة كان
سببه أن هناك خطاباً دينياً متشدداً عقيماً إقصائياً جاهلاً متحجرالعقل قليل
المعرفة والاطلاع يُستغل من قبل جنرالات الموت والحرب وشيوخ النهب والسلب والعمالة,
يصدر ذلكم الخطاب من قبل بعض المنتسبين إلى الدين والمدعين له والعابثين به, ويبدأ
بعد أن يستقطب الشباب إلى أوكاره العفنة بدروس التكفير والتبديع والتفسيق المكثفة
والمنفرة من كل مخالف لهم ولمنهجهم وينتهي بالتعبئة النفسية ضد المخالف أو الهدف,
تلكم التعبئة التي يكون التفجير والموت آخر فصولها بعد أن يكون ذلكم الخطاب الأرعن
قد توغل في الوجدان ونزع حرمة الدماء من قلوب
شبابنا المغرر بهم وقلل من عظم ازهاق النفس التي حرم
الله قتلها في أعينهم!.
راقبوا
بأنفسكم مساجدكم ونوع الدروس والحلقات التي تعقد بها! راقبوا منابر رسول الله وخطب
الجمعة واسمعوا ما يتفوه به خطباء الحشد الفوضوي والتعبئة اللاواعية! راقبوا قاعات
المدارس والجامعات والمواقع والفضائيات! راقبوا الدورات والمخيمات والرحلات ذات
الصبغة الدعوية والدينية! راقبوا المطويات والملصقات والأشرطة والسيديهات السمعية
والمرئية التي تباع وتوزع بالمجان! راقبوا ولو من بعيد لتسمعوا وتشاهدوا من يغتصب
صلاحيات الإله الواحد ومن يصدر الأحكام جزافاً ومن يعمق الفوارق الطائفية
والمذهبية بين المسلمين ومن يزيّف وعي الجماهير الشابه ويصر على أن يصدّر لهم
خطاباً دينياً عاطفياً فارغ المضمون يسكب خلاله دموع التماسيح ليغري به البسطاء من
الناس والشباب المتحمس لنصرة دينه ونبيه وأمته!.
بماذا
يحلل أحدنا بعض الوقائع البسيطة جداً التي حدثت ولازلت تحدث في حضرموت وغيرها من
المناطق وبعض الأفكار والألفاظ والأفعال التي تصبغ بصبغة دينية إقصائية تطهيرية
كانت مضمرة لفترة طويلة وعندما سنحت الفرصة لها طفت على السطح وأصبحت معلنة تتردد
على الأسماع وتلهج بها الألسن وتصرخ بها الحناجر, شبّان منتمون إلى أحزاب تسمى
مجازاً "سياسية" وآخرون منتمون إلى جماعات هي في الحقيقة "إرهابية"
بعضها حمل السلاح ويبسط على الأرض ويقاتل المواطنين المسلمين المعصومي الدم, كيف
صرخت تلكم الحناجر ضد إخوة لهم في الدين والأرض أثناء اشتباك ورمي بالأحجار قائلة "قتلانا
في الجنة وقتلاكم في النار"! كيف
تتجرأ جماعات منتسبة إلى الدين لتصنف الناس بأنهم "مشركون" أو
"مبتدعون" أو "ضالون"! كيف يطلق من حمل السلاح ضد أهلنا في
أبين ولودر وغيرها من المناطق عليهم بأنهم "مرتدون" أو "عملاء"
أو "صحوات"! ماسر هذه القاذورات التي تتشدق بها الأفواه في مجتمعاتنا
ومن المسؤول عن هذه التعبئة التي أوصلت الشباب إلى هذا الفهم المنزلق وهذه الإنفعالات
الخطيرة ومن هي الجهة التي حشت هؤلاء الشباب بهذه المعلومات المهيّجة وتلك العقائد
الفاسدة ولقنتهم إياها ثم جعلتهم يبصقونها في وجوه إخوانهم وبني جلديتهم ودينهم؟!.
لو
بحثتم عن أسبابها في مدنكم وأحيائكم ومساجدكم ومدارسكم وجامعاتكم وفضائياتكم
ومواقعكم الإلكترونية وصفحات تواصلكم الاجتماعي وفي أرشيفكم من الأشرطة والسيديهات
التي يكتب عليها "الدالّ على الخير كفاعله"! ربما ستجدون خيطاً سميكاً سيوصلكم
حتماً إلى مستنقعات ذلكم الفكر المتعصب والمجنون والمنفلت والمحفز على العنف والداعي
إلى التطهير والاستصال والكراهية, وستعلمون من هي الجهة والفئة التي بسبب أفكارها احترقت
قلوب أمهاتنا حزناً وألماً على فلذات اكبادهن وهي تمزق إلى أشلاء وقطع في تفجيرات
عبثية وسط مدنهم ومحافظاتهم وفي صراعات محلية لاناقة لهم فيها ولاجمل تدور رحاها في
أبين وشبوة وصعدة والجوف ودماج تحت شعارات واهية ومخادعة من قبيل إقامة "الشريعة"
ومحاربة "الروافض"! أو يعتقلون ويودعون السجون وهم في طريقهم إلى
مايوهموهم بأنه جهاد في سبيل الله وضد الطاغوت والقوات الأمريكية!, فإذا استطعتم الوصول
إلي هذا الفكر فجففوا منابعه وعالجوا أسبابه في عجل وابنوا في طريقه سداً منيعاً من
الفهم الواعي والعلم الزاكي والتسامح السامي وإلا فطوفان الجهلة والمدعين والموزعين
الحصريين لصكوك الغفران في "فرع اليمن" سيجرفون كل جميل نبت على ظهر هذه
الأرض الطيبة وسيتركونها لنا قاعاً صفصفاً وبيداء مقفرة وغابة من دمار وخراب يسرح فيها ويمرح كل عابث بالدين وبنصوصه وأحكامه يصدّرها
على هواه ويغرس في الشباب مفاهيم العنف والقتل والعبث ويجعلهم ضحايا لجرائم وكوارث
وتفجيرات، المتضررالأول والأخير منها أهلهم ومدنهم ودينهم والمستفيد الأول والأخير منها
جنرالات الحرب والقتل وشيوخ السلب والنهب والعمالة وشرذمة شاذة من العابثين!.