لايزال في عالمنا العربي من يعتقد أنه يستطيع أن يسوق الشعوب كقطيع من الأغنام ويهش بعصاه عليها متى ما رآها قد حادت عن الطريق وسلكت مسلكاً آخر وخطاً غير الذي رسم لها وحاولت الخروج على عرف وقانون المرعى وخطوطه الحمراء العريضة.
مرة بعد أخرى تثبت الوقائع ويثبت التاريخ أن الحديد والنار لايستطيعان أن يفرضا السيطرة الكاملة وإن فرضاها فهما يفرضانها لفترة محدودة تتأجج خلالها مشاعر السخط والغضب والاحتقان والكبت وما تلبث أن تنفجر عند أول مثير يسمح لذلك الاحتقان بالصعود إلى الأعلى والطفو على السطح حتى يصير مارداً جباراً وطوفاناً يجرف كل من يقف في طريقه ويصبح حينها القطرة التي أفاضت كأس الكبت والقشة التى قصمت ظهر البعير.
من يستعان بهم لتنفيذ قبضة الحديد والنار هم جزء من الشعب ولم يأتوا من كوكب آخر. صحيح أنهم يلقنون دروس الولاء والطاعة وفي أحيان كثيرة يكون ذلك الولاء خالصاً والطاعة عمياء ويقسمون عليها ولكنهم سرعان ما ينحازون إلى جانب الشعب لأنهم نسيج أصيل منه ويؤلمهم ما يؤلمه ويحسون بحجم المسؤولية عندما يسددون بنادقهم إلى الصدور العارية والبطون الجائعة والكرامة الضائعة والعقول التى سُلبت حريتها وحُرمت من التعبير عمايدور في مخيلتها.
يجب على حكامنا أن يفكروا بعقلية أخرى غير عقلية الحديد والنار التى أكل الدهر عليها وشرب وأصبحت محنطة في سير الطغاة والديكتاتوريات التى حكمت في فترات زمنية مختلفة منذ فجر التاريخ إلى يومنا هذا. وصدقونا الشعوب لاتريد سوى كسرة الخبز وشربة الماء والعيش الكريم وحفظ الكرامة والعدالة الحقة والحرية المتزنة والاعتراف بإنسانية الإنسان واعتباره أغلى ما تملكه الدول.
( حكمت فعدلت فأمنت فنمت ) هذه هي المعادلة التي تستطيع أن تخلق رضاً عند الشعوب وهذه هي السياسة التى تستطيع أن تجعل الحاكم شخصاً استثنائياً تردد الشعوب عند ذكر أسمه عبارة (حفظة الله) وعند موته ( رحمه الله) وتنجيه من لعنات ستطارده حياً وميتاً.