الخميس، مايو 03، 2012

حرية الصحافة وحرية الأيام



لاطعم ولالون ولارائحة للصحف في اليمن وبالتحديد في محافظات الجنوب بدون صحيفة الأيام ولو ظهرت ألف صحيفة وصحيفة وحاولت أن تبدو وكأنها بعض أيامنا العدنية في الشكل والتصميم والمظهر الخارجي, لا لشيء سوى لأن الأيام العدنية حفرت عميقاً في قلوب الشيبة والشباب وكبروا معها وأصبحت وجبة رئيسية يقتاتون حروفها بنهم شديد صباح وعصر كل يوم جديد, ولايزال شكلها البيسط يداعب خيالاتهم بألوانه البسيطة أيضاً ومانشيتاته المعبرة والبلغية والصريحة في آن معاً.

أعرف أصدقاء من أبناء جيلي العشريني تعلموا القراءة من خلالها وأعرف شيبة ضعف نظرهم وخارت قواهم يحرصون على شرآئها يومياً من أحد الأكشاك أو البسطات أو أحد الباعة المتجولين بها وتظل في أيديهم مطوية كأنها عصا الحق تفزع كل باغ وظالم, وحينما يعودون إلى منازلهم يحرصون على أن يضعوها ضمن الأعداد السابقة على أحد رفوف الغرف ويعز عليهم أن يرموها في المطبخ لتستخدم في شؤون الطبخ أوتفرش تحت صحون الأكل كما هي العادة مع بقية الصحف الأخرى والتي توزع بالمجان في أحيان كثيرة!.

علاقة حميمة نشأت بين الأيام العدنية والمواطن الحر البسيط وبالذات في مدن الجنوب لاتشبهها علاقة لا لشيء سوى لأنها كانت صوتاً صادعاً بالحق ناطقاً به تحمل بين جنباتها، آماله وآلامه صرخاته وأناته، مايجول في خاطرته المكدر ومايحدث في شارعه وواقعه المزيف والممتليء بالفساد والتسيب والمتشبع بالقهر والسلب والإذلال.

لكن ذلكم الصدع بالحق والنطق به لم يرق لشلة الفساد وزمرة الإفساد وأتباع كل أحمر في السلطة والمعارضة والجيش والقبيلة ولم يستطيعوا أن يخلقوا منافساً قوياً لها يزاحمها في أكشاك الفقراء وبسطاتهم ولم يستطيعوا أن يجعلوا من صحفهم منتجاً مرغوباً عند أصحاب الأقدام الحافية والمتجولة والتي أيقنت بأن الأيام هي المنتج الصحفي المضمون بيعه والمرغوب باقتنائه دون غيره من المنتجات الصحفية الأخرى فيجوبون بها الشوارع والفرزات والجولات والإشارات وهم على يقين بأن الثلاثين نسخة المبسوطة على ساعد يد أحدهم النحيل تحتاج ربما إلى ساعة واحدة فقط لتنفذ ويتم إستبدالها بثلاثين نسخة جديدة إن وجدت!.

وعندما يئست شلة الفساد وزمرة الإفساد أتباع كل أحمر في السلطة والمعارضة والجيش والقبيلة من مزاحمة الأيام ومن سحب البساط من تحت أقدامها الراسخة في الوجدان وبالذات في محافظاتنا الجنوبية لم يكن متاحاً أمامها إلا اللجوء إلى العنف والتهديد والوعيد والتلفيق والمصادرة والتقطع لسيارات الصحيفة وهي تحمل عددها اليومي إلى شتى المحافظات فكان ذلك الاعتداء السافر على مبنى الأيام والسيطرة عليه بقوة السلاح والجنود واستصدار القرار المجحف بحقها وبحق عدد آخر من الصحف التي تعمدوا تضمينها ضمن قرار المنع حتى يتم خداع الرأي العام ليتبين بعد برهة أن القرار كان يريد الأيام دون سواها ويهدف إلى إيقاف انسكاب حبرها على ورقها الصريح والشفاف إلى الأبد!.

وللمعلومة فقط فإن صحيفة الأيام تعد الأوسع انتشاراً في الجمهورية اليمنية من بين جميع الصحف الأهلية والحزبية ويعتبر موقعها الإلكتروني من انجح المواقع الإخبارية فيها, الأمر الذي دفع بإدارة الصحيفة لأن تفرض رسوم اشتراك مرتفع على متصفحي أخبارها مقارنة بسعر نسخها الورقية, ولاتزال هذه الصحيفة ممنوعة من الصدور منذ العام 2009 وتعرض ناشرها الأستاذ هشام باشراحيل لأبشع المضايقات وأقسى الانتهاكات وكذلك حارسه الشخصي المتدهورة صحته أحمد المرقشي الذي لايزال معتقلاً في سجون الأمن المركزي بصنعاء منذ العام 2008 عبر تهمة كيدية كانت تستهدف الصحيفة وناشرها, فهل سنشهد إعادة اعتبار لهذه القامة الصحفية الموغلة فينا صدقاً وأمانة وشفافية وكذلك للعاملين بها وهل سنشهد قرارات منصفة وجرئية من قبل حكومة باسندوة متبوعة بإسبال دمعتين فقط على ورقة قرار إعادة الاعتبار تبعثر تلكم الدمعتين حبر توقيعه الجميل خصوصاً ونحن نحتفل في الثالث من مايو مع كل دول العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة ونتذكر فيه إنجازات الصحفيين ونكرمهم ونتضامن مع معتقليهم ونترحم على من قضى نحبه منهم في كآفة أرجاء المعمورة لاسيما في المناطق الساخنة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق