بقلم: مطيع بامزاحم
كنت أنزعج كثيراً
عندما يناديني أستاذي الأردني وأنا على مقعد القاعة في كلية الإعلام بجامعة
اليرموك قائلاً لي عندما أرفع يدي طالباً السماح بالتحدث أو بالإجابة على سؤال أو
مداخلة, تفضل يا "أبويمن" فكنت في كل مرة أذهب إليه بعد انتهاء المحاضرة
لأخبره بأني "أبو حضرم" ولست "أبو يمن" وأسترسل في السرد ليصل
بي الاسترسال إلى شرح الفوارق بين "أبو يمن" و" بو حضرم" ويجرني
هذا السرد للحديث عن جمهورية الجنوب وجمهورية الشمال وأهم مايميزهما وعن خصوصية
حضرموت ومدنيّة عدن ونجاحات وتجارة ودعوة "بو حضرم" وعن اتفاقية الوحدة
وحرب 94م واختلاف الأكلات والملبوسات وحتى اللكنات واللهجات والمذاهب والعادات
والتقاليد والطقس والمناخ والتضاريس وغيرها من الفوارق الكثيرة والجمة.
لايعني حديثي بهذه
الطريقة أو انزعاجي من مناداة أستاذي لي بهذا اللقب بأني أتعالى أو أتكبر أو أني
أرى أننا جنس متفوق على غيره فنحن بشر مما خلق الله لنا إيجابياتنا وسلبياتنا ولكن
الذي حصل ويحصل في كل مرة وفي مثل هذه الحالات وغيرها هو ردة فعل مباشرة وفورية رافضة
وبكل قوة لفرض سياسة الذوبان والطمس لهويتي الحضرمية كحضرمي ينتمي إلى هذه الأرض
الطيبة والتي أصبحت ماركة عالمية في الشرق والغرب وكذلك الهوية الجنوبية ككيان
سياسي ودولة مستقلة قدمت نموذج في إقامة الدولة وبناء مؤسساتها المختلفة وعاشت
حضرموت في ظلها وساهمت مع بقية محافظات الجنوب في كل مراحل البناء والإخفاق, تلك
الهوية والتي تميزت في الكثير من جوانبها وحولت بعد الدخول في مشروع إعلان اتفاقية
الوحدة عام 1990م إلى شي من الماضي التليد في كل مجالات التعامل كأننا فرع ألحق
بأصل كما قال قائلهم ويبدوا أن على ذلك الفرع أن يلغى كل مايمت لثقافته وتاريخه
بصلة ويلتحق رغماً عنه بثقافة "الدحبشة" في أدنى مستوياتها وأرذل
نماذجها وظهرت ملامح ذلك الذوبان القهري والإلحاق القسري بشكل جلي في تعامل حكومات
وعقليات أمراء حرب 1994م وإلغائها لكل مايمت للجنوب بصلة من العملة إلى الجيش
وصولاً إلى دبة الغاز الشمالية ومصادرة الدبة الجنوبية واستبدالها بتلك القادمة من
باب اليمن!! وبرزت كذلك تلك الملامح في تعامل الدول الخليجية التي كان يعامل فيها
الحضرمي والجنوبي مثلاً معاملة مختلفة لأسباب كثيرة يعرفها أكثرنا وأصبح بعد
الوحدة يعامل معاملة قاسية جداً في كل مركز أمني وعند أي دورية شرطة أو شرفة منفذ
ومطار فلا فرق في الغالب بين هذا وذاك فكلهم "أبو يمن" وكلهم على شاكلة
واحدة, وأكثر من شعر ويشعر بهذه الحقيقة المرة جداً هو المغترب الحضرمي والجنوبي وبالذات
أولئك اللذين عاشوا في دول الاغتراب قبل العام 1990م.
كل هذه التوطئة كانت
فقط مدخلاً هاماً للبوح بشي لطالما كان يضيق به صدري وأردت بشدة أن يعمم وأن
لانعرف إلا من خلاله نحن كحضارم على الأقل بأن لايطلق علينا في دول الاغتراب سوى
لقب "بو حضرم", وعندما أعلن ثلة من أصدقائي المبدعين والمتميزين في أكثر
من فن ومجال رغبتهم في إصدار نسخة حضرمية خالصة عن الأغنية الكورية الشهيرة "جانجام
ستايل" أسوة بغيرهم من الشباب اللذين أصدروا نسخاً تعبر عن شعوبهم وعن
ثقافاتهم في المنطقة العربية والغربية بأسلوب كوميدي وساخر, واختاروا لهذا العمل أسم
"بو حضرم ستايل" تأكيداً منهم على أهمية تعميم هذا اللقب وعن تميزنا به
دون غيرنا.
لا ننكر أن فيديو "بو
حضرم ستايل" حقق نسبة مشاهدات عالية
جداً على موقع اليوتيوب بلغت خلال ثلاثة أيام فقط أكثر من نصف مليون مشاهدة والرقم
في ازدياد وأنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي وعلى القنوات الفضائية والمواقع
الإلكترونية والوكالات الإخبارية وهذا بحد ذاته يعتبر نجاح باهر في عرف الإعلام
الجديد المعتمد على تقنيات الاتصال والإعلام الجديدة, وبغض النظر إن اتفقنا مع
محتوى هذا الفيديو أو اختلفنا فإنه لايمكننا إلا أن نعبر عن شكرنا وتقديرنا لهؤلاء
الشباب على جهودهم التي بذلت بإمكانياتهم المحدودة وبجهودهم الذاتية ورغبتهم الجامحة
في تقديم شي ينتمي إلى هويتهم ويظهر شيئاً من ثقافة بلدهم وأثارها السياحية
والتاريخية ويعبر عن بعض ملامح الاحتقان السياسي الذي يعانون منه والقضايا التي
يناضلون من أجلها بكل عفوية وبساطة الشباب
الطموح والمتحمس, ومن ينتقد مثلا ذلك المشهد الذي عبر فيه الشباب عن سخطهم على
ممارسات أبناء المحافظات الشمالية في الجنوب ورغبتهم في خروجهم منه فالأجدى به أن ينتقد
همجية وعنجهية وغطرسة أولئك الجنود في عصابات القمع المركزي والتحرش الجمهوري
والمنطقة العسكرية والمليشيات المسلحة التي تساندهم وتطلق الرصاص الخفيف والمتوسط
على المنازل وعلى شباب الجنوب وتقتلهم بدم بارد من على وبجانب المدرعات التي ترفع
علم دولة الوحدة المغدور بها وتقتحم الأحياء الآمنة والمدن الهادئة ويحرص جنودها
على إخفاء وجوههم في الفترات الأخيرة كحرصهم على رفع علم دولة وحدتهم المزيفة دون
أن نرى أو نسمع أن فرداً واحداً من أولئك القتلة قد قدم للمحاكمة بتهمة القتل
العمد والاعتداء على المواطنين السلميين والآمنين وربما لو أستبدل ذلك الشخص
المدني بشخص عسكري لكانت الرسالة أقوى وأبلغ وأعمق.
بالتأكيد شاب هذا
الفيديو الكثير من الأخطاء الفنية والتقنية وحتى في طريقة التعبير عن فكرة ما
وشابه كذلك نوع من العفوية والبساطة ومحاولة التعبير عن شي من واقع المجتمع وعن
الغليان السياسي الذي تعاني منه حضرموت وبقية مدن الجنوب, لكن يكفي هذا الفيديو أنه
استطاع خلال أربع دقائق فقط إرسال رسائل سياسية واجتماعية ذكية للغاية وسلط الضوء
بشكل مكثف على عدد من المعالم التاريخية والسياحية بحضرموت فهناك مشهد أمام حصن
الغويزي ومشهد أمام قصر المعين "القعيطي" ومشهد أمام "الشقين"
ومشاهد أمام وبجانب ووسط "خور
المكلا" و"بحر المكلا", ويكفي هذا الفيديو أنه روج للهجة والشيدر
والصارون والعمامة والكوفية والشاي ويكفيه كذلك أنه أبرز لنا شباباً لديهم القدرة
بشكل بارع على تأليف الأغاني وأداء الرقصات والتمثيل وتصوير المشاهد واختيار
الأماكن وبرامج المونتاج ويكفي أنه أنتج لنا عملاً بسيطاً وعميقاً فرض نفسه بقوة
وجعلنا عند مشاهدته لانملك إلا أن نبتسم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق