بقلم: #مطيع_بامزاحم
أجزم بأن خمس ساعات لن ولم تكون كافية للحديث عن مشاهدات حقيقية والاستماع لشهادات مباشرة وسرد لمواقف شجاعة سطرها ونطق بها أبطال #قوات_النخبة_الحضرمية المشاركون في #عملية_الفيصل النوعية التي نفذت ضد بقايا العناصر الإرهابية المسلحة في #وادي_المسيني الحصين والوعر المترامي الأطراف.
كنت محظوظا حينما رافقت سيادة القائد اللواء الركن فرج سالمين #البحسني محافظ #حضرموت قائد #المنطقة_العسكرية_الثانية صباح يوم الجمعة الماضي في زيارته لجرحى العملية في مستشفى ابن سيناء العام بالمكلا، ليتم عقب تلك الزيارة التحرك صوب الوادي المطهر للالتقاء بالمرابطبين في خطوط جبهة الأمامية والخلفية، مرافقا له كصحفي ناقل للخبر وصانع للحدث، لتمنحني تلك المرافقة فرصة ذهبية للاطلاع عن كثب على جحم الإنجاز الذي تحقق بدماء وتضحيات الأبطال وحجم التحضيرات الإرهابية التي كانت العناصر الإجرامية تعتزم تنفيذها عبر سلسلة عمليات إرهابية على المعسكرات والمواقع الأمنية والعسكرية والمصالح الحكومية من خلال نسف حالة الأمن وتدمير وضع الاستقرار وترويع المواطنين وتبديد كل المكتسبات الحضرمية التي تحققت بعد ملحمة التحرير الخالدة في 24 إبريل من العام 2016م.
مضى نصف الخمس الساعات في طريق وعر يمتد من بداية الوادي إلى نهايته تحيط به الجبال المرتفعة ، تمشي فيه السيارات على مهل لوعورة طريقه ، وما أن تخطو كيلومترات قليلة حتى يصادفك تمركز لأبطال النخبة الحضرمية على طول الوادي وعرضه والأكبر من ذلك تمركزهم على قمم جبال إستراتجية على شكل أفراد وجماعات بعدتهم وعتادهم، خطر في بالي حينها حجم الصعوبات التي واجهت ولازالت تواجه هؤلاء الأبطال وصبرهم العظيم في سبيل تأمين هذا الموقع الحساس في حضرموت.
كنت أرى الشمس تدنو من رؤوسهم وهم في حالة استعداد تمام لا كلل فيه ولامملل بل تركيز وانتباه، ويسرح خيالي حينها لأقول لمن حولي فكروا في ليل هؤلاء الأبطال عندما تغيب شمس هذا اليوم ويريخي الليل سدوله ويضرب بظلامه الدامس البهيم على هذا الوادي الفسيح الذي لايقل شراسة وغدرا وبطشا من أفراد تلك العناصر الإرهابية المنهزمة.
منحني خروج إحدى إطارات السيارة التي كنت استقلها عن جاهزيته بسبب حجرة محدبة تمكنت من خرقه فرصة ذهبية أخرى عندما أمرني ضابط الوفد بالصعود لطقم عسكري مرافق لنا وكل راكبيه من الجنود المرابطين هناك، لأبدأ حينها هوايتي المفضلة كصحفي في سرد الأسئلة وتدشين مهرجان البحث عن التفاصيل الخاصة بسير العملية ومارافقتها من أحداث متنوعة.
كان رافقائي الجدد جندي يقود الطقم العسكري وضابط أفسح لي لأجلس إلى جواره وعدد آخر من الجنود في سطح المركبة، كانا سعيدين للغاية بزيارة القائد البحسني لهم وبوصلونا كصحفيين إليهم، وبوصول عدد من القنوات المحلية والعربية والأجنبية خلال الأربعة الأيام التي سبقت يوم زيارتنا إليهم لإيمانهم العميق برسالة الإعلام ودورها المحوري في مساندة الجهود العسكرية وإبراز جحم انتصارات وتضحيات الأبطال وكشف الخطط الإرهابية التي كانت عناصر الإرهاب تنوي تنفيذها.
لم أكن مستغربا حينما كان يحدثني ذلك الضابط الحضرمي الشاب عن المعنويات العالية التي يتمتع بها أفراد قوات النخبة الحضرمية فقد رأيت ذلك في أعينهم وفي عزمهم وطريقة تمركزهم في مواقعهم رغم شراسة وخبث عدوهم ومكره، أخبرني بجل تفاصيل عملية الفيصل، كيف دخلوا مشيا على الأقدام ؟ كيف واجهوا الألغام المزروعة على طول الوادي ؟ كيف قام فدائيو الفرق الهندسية بتفكيكها ونزعها للسماح للمركبات العسكرية بالدخول والتقدم ؟ كيف واجهوا القناصين الذين تمركزوا في المرتفعات ؟ كيف تعاملوا مع الكمائن التي جهزها لهم العدو وأراد من خلالها إيقاف تمددهم وإلحاق أكبر قدر من الخسائر البشرية بهم ؟
حدثني كذلك بفخر واعتزاز عن تقهقر أفراد تلك العناصر الإرهابية أمام صمود أبطالنا، وكيف ساهم نسور الجو من أبناء دولة #الإمارات_العربية_المتحدة الشقيقة في دك تحصيناتهم وتدمير مركباتهم ؟ وكيف استبسل رجالنا في الميدان في قهر بنداق القناصة حتى أنهم كانوا يحيطون بهم من كل اتجاه ويأتون إليهم من كل حدب وصوب ليبثوا في قلوبهم وفوهات بنداقهم الغادرة الرعب والخوف والخشية من هؤلاء المقاتلين الشباب الذين لايعرف اليأس إلى عزائمهم سبيلا.
حدثني أيضا عن حجم الذخيرة التي كانوا يخفونها وأطنان العبوات الناسفة التي كانوا يجهزونها والسيارات المففخة التي كانوا يحضرونها، وحجم المخزون التمويني الكبير الذي كان لديهم في المغارات وعلى مقربة من المتاريس الخاصة بهم، لتيقنهم بأن النخبة آتية إليهم عما قريب وحتى يحاربوا بتكتيك النفس الطويل والإستنزاف المستمر.
شاهدت في جواله البسيط مقاطع قصيرة عن كثير مما سرده لي في الفقرات الثلاثة السابقة، وعن ملازم وكتب كانت تدرس وتعطى لعناصرهم ، تحرضهم على النخبة وعلى المجتمع الحضرمي وتغسل أدمغتهم بفتاوى التكفير ودلائل التفجير واقحام نصوص الدين الإسلامي القويم في تبرير مايدرسونه لتلك العناصر التي استقطبوها إليهم.
حزنت حزننا كبيرا حينما حدثني عن مصير بطلين من أبطال النخبة الحضرمية فقدوا في الحملة العسكرية التي نفذت قبل سنة ضد هذه العناصر الإجرامية بعد سؤالي له عن وجود أي أدلة تدل على وجودهم، فقال عند تقدمنا مشيا على الأقدام تفاجأنا بوجود بقايا لجسدين وسط طريق السيارات موضوعتين على شكل مطب، اقتربنا أكثر منهما فوجدنا بقايا الزي العسكري لقواتنا فقمنا بإبلاغ مركز القيادة الذي ارسل على الفور فريق خاص قام بجمع ماتبقى من رفاتهم الطاهر وسيتم التحقق من هويتهم في قادم الأيام.
هذا التعامل اللإنساني مع تلك الجثتين والذي يخالف تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ومنهجته في الحرب حتى معى المخالفين له من أتباع الديانات الأخرى وحتى غير التابعين لها، أخبرني والغضب يملء عينيه بأنه أشغل غضب الأشاوس من رجال النخبة الحضرمية وجعلهم يلتهمون كلما ما ومن يقف في طريقهم وينزلون أشد الضربات النارية في بقايا العناصر الإرهابية المقاتلة حتى تحقق النصر المبين وتم دحر البغاة المارقين.
كان بعض عناصر الجماعات الإرهابية المسلحة يردون بصوت رافع عند اقتراب أبطال النخبة إليهم وقبل الإجهاز عليهم قول "الله أكبر" و "الله مولانا ولامولى لكم"، فيجيب عليهم أبطالنا حسب ما أخبرني رفيقي الضابط بتكبير أقوى وأخلص وأصدق من تكبيرهم حتى تهتز له الجبال ويتردد صداه في آفاق الوادي السحيق ويقولون لهم "الله مولنا نحن ولامولى لكم" في دلالة واضحة تعبر عن معنوياتهم العالية وتصميمهم الواضح وايمانهم العميق بالنصر والعزة والتمكين وتلقين عناصر تلك الجماعات درسا في غاية الأهمية عن إيمان الحضرمي العميق بربه وثقته بوعده للمؤمنين الصادقين من عباده.
وصلنا بعد ذلك إلى أقرب نقطة للخطوط الأمامية للجبهة وكان أمامنا جبل ضخم يشبه في تضاريسه جبل "كار سيبان" الشهير في حضرموت ويسمى جبل #المسيني ومن خلفه تقع مديرية النخيل #حجر ، هناك إلتف حول القائد البحسني عشرات من الأبطال المقاتلين —سلمت شخصيا على بعض من أعرفهم من أصدقاء وزملاء وبعضهم أتى للسلام علي ولم اتعرف عليهم في بادئ الأمر بسبب تغير ملامحهم ولون بشرتهم وطريقة لباسهم– وامتدوا في صف طويل للغاية للسلام عليه ومصافحته وكلما اعتقدنا بأن الصف قد انتهى امتد أكثر وأكثر وكان القائد البحسني حريصا على مصافحة الكل حتى أولئك الذين يتمركزون في مواقع ونقاط على طول طريقنا فقد كان يوقف موكبه ويخرج للسلام عليهم ويتبادل أطراف الحديث معهم ويواصل طريق ذهابه وعودته، ليلقي بعد فراغه من مصافحتهم كلمة حماسية باركت جهودهم وحيت تضحياتهم ونقل خلالها شكر كل أبناء حضرموت لهم وتقديرهم لانتصارهم على قوى الشر والإرهاب، ذلك الإنتصار الذي يضاف لسجل قوات النخبة الحضرمية في مكافحة #الإرهاب وتجفيف مستنقعاته ، الأمر الذي رفع من قيمة ومقدار هذه القوات في نظر القيادة السياسية ودول #التحالف_العربي وكل الشعوب والحكومات #العربية والأجنبية التي عانت من حجيم تلك الجماعات وحاربتها.
سرعان ما انقضت الخمس الساعات التي قضيناها في وادي المسيني متأملين في عزائم أبناء هذه الأرض الطيبة وناظرين عن كثب إلى ماكان يعتزم أعداؤها تنفيذه فيها وفي أبنائها، لينتابني حينها شعور بعظيم الشكر والإمتنان ومزيد التقدير والإجلال والاحترام لأبطال بلغوا المجد بعد أن لعقوا الصبرا وكان إحدى شعارتهم التي يحرصون على ترديدها منذ أشهر التحضير للعملية:
بانناضل في المسيني
في الجبال المعتلية
لو لقينا الخصم جينا بالرجالي
والتحالف والجيوش الحضرمية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق