في مثل تاريخ هذا اليوم وصل الإعصار المداري تشابالاً والذي يعني في اللغة البنغالية "لا يهدأ" إلى سواحل حضرموت وحاضرتها مدينة المكلا، ترافقه كميات كبيرة جداً من مياه الأمطار التي هطلت لساعات فقط لكنها تجاوزت في كمياتها أمطار كارثة 2008م رغم انها استمرت لأكثر من 30 ساعة متواصلة.
أتذكر تلك اللحظات التي سبقت الإعصار، كيف أننا كنا نبحث عن الأخبار وعن آخر التطورات، شعرنا حينها بحاجتنا الماسة للاذعتنا التي أُحرقت، أتذكر كيف أننا كذلك كنا نتناقل الشائعات والمعلومات التي تأتينا عبر قروبات الواتساب من هنا وهناك، في الوقت الذي لم يكن لدينا مركزاً متخصصاً للتنبؤ بالطقس ومعرفته جديد تطوراته، أتذكر أيضاً وبفخر كيف أننا كنا نرتب صفوفنا ونوزع أنفسنا في إطار البيت الواحد والحي والقرية والمدينة الواحدة والمرفق الخدمي الذي لازال يعمل, لمواجهة القادم الغاضب ومجابهته ومحاولة مد يد العون والمساعدة لبعضنا، وإيواء ونقل واستضافة من كانت بيوتهم محاذية للسواحل أو تلك التي لن تستطيع الصمود لأماكن أكثر أمانناً داخل بيوتنا أو المرافق الحكومية العامة, في الوقت الذي غُيبت فيه الدولة وأجهزتها الخدمية المختلفة.
وضرب الإعصار ضربته الفعلية قبل منتصف الليل، ونسفت رياحه العاتية كلما تمكنت من نسفه، حتي لكأنك تشعر حينها ومع انقطاع التيار وشدة الظلام الدامس, كأن البحر قد وصل إلى جانب مأواك وماهي إلا لحظات وينتهي كل شيء وترحل إلي عالم الأموات وتسجل بعد ذلك في سجلات ضحايا تشابالا أو مفقوديه.
صحيح أن الكارثة كان ضحاياها من المواطنين قلائل وهذا عائد للطف الله أولا وتعاون الجميع ثانيا وتكاثفهم قبل وبعد الكارثة، لكن الدمار الذي أحدثه في البنية التحتية كان مهولاً، فكل الجسور الأرضية تقريبا على طول الشريط الساحلي لحضرموت دمرت تماماً بسبب التدفق المهول للمياه، ولاتزال حتى اللحظة على حالها تعيق الحركة وترهق المركبات وراكبيها، وكذلك انقطعت الاتصالات عن كثير من المديريات بعد أن دمرت رياح الإعصار أبراجها، وتم إصلاحها في كل المناطق تقريبا ما عدى مديرية بروم الواقعة على بعد 30 كليو من مدينة المكلا عاصمة حضرموت فهي محرومة منذ مابعد الإعصار وحتي اللحظة من إصلاح برجها وإعادة شبكة الجوال إليها.
كانت 2015م سنة عصيبة بكل ماتعنيه هذه الكلمة من معنى، على الأقل بالنسبة لأبناء حضرموت، ففيها ضربت الأعاصير بلادهم، وسيطرت الجماعات المسلحة على مناطقهم، وأستقبل أهلها المرهقون مايزيد عن النصف مليون ضيف من مناطق الحرب في عدن والمحافظات المجاورة، وداهمتهم حمى الضنك, وزادتهم ضنكاً انقطاعات التيار الكهربائي المتزايدة، وفقدان الكثيرين من معيلي الأسر لأسباب رزقهم عقب إغلاق الكثير من مصادر الرزق التي كانوا يتعيشون من العمل فيها.
والآن مضى عام على رحيل تشابالا الذي غادرنا وابقى أثاره شاهدته على شدته وقسوته، فهلّا بادرنا لمحوها وطمس بشاعتها، وهلّا راجعنا قدراتنا واستعداداتنا لاستقبال مثل هذه الظواهر بالعلم والمعرفة والبناء والتطوير في قادم السنوات، خصوصاً إذا علمنا أن تغيرات المناخ مستمرة، وكوكبنا الكبير يزداداً وهنناً وضعفاً وتخريباً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق